عبد الرازق أحمد الشاعر
في وقت تحولت فيه الحياة إلى فخ، والمستقبل إلى مجازفة، والنجاة إلى أعجوبة، صارت مصائر الخلائق بأيدي أناس لا يملكون من الرجولة إلا الفحولة ومن الخطط إلا عرض السيقان والأرداف وتربية الشعر الأشهب فوق البطون المترهلة.
هل أفلست الحضارة البشرية ؟ ربما، أو هكذا توحي المؤتمرات والمناقشات الساخنة فوق صفيح عالم تزداد حرارته مع مطلع كل صاروخ وارتقاء كل مُسيّرة.
تتقدم المعادن إذن، وتتراجع الإنسانية كثيرا، ونقترب رويدا من الصفر الذي سبق كل الأرقام التي سجلها الإنسان فوق أديم هذه الأرض التي لم تعد صالحة للحلم.
كذبت كتب التاريخ حين أخبرتنا أن البقاء للأصلح، وكذب المتحلقون حول الطاولات المستديرة في الغرف المغلقة حين ادعوا أن البقاء للأقوى، والحقيقة أن الموت والخراب والفناء من حظنا جميعا إن ظل ريموت الكرة الأرضية بيد هذه العصابة من المارقين السفهاء الذين يمتلكون القدرة على تدمير الكرة الأرضية مئات المرات، لكنهم عاجزون عن إحياء أحلام الإنسانية القديمة التي اندثرت في صقيع أفسد سياسيوه كل شيء.
لعلنا أسوأ الأجيال حظا في هذه الحياة، فقد شهدنا من الهدم ما لم يشهد أحد، وشهدنا من القتل ما لم يشهد أحد، وننتظر من المستقبل ما لا يخطر على بال أحد.
ولأننا لا نثق بحكمة الواقفين عند رماد المدن المحترقة وهم يفتلون شواربهم ويرفعون شارات النصر وكأن العظام التي تحترق في المدن المشتعلة ليست عظاما آدمية، وكأن الدموع والدماء التي تختلط في شوارع المدن المهدمة ليست سوى مساحيق لتنظيف الشوارع المتسخة، لهذا وأكثر، وجب أن نضع أيادينا فوق صدورنا وأن نغمض أعيننا في انتظار الانفجار الكوني القادم.
من حق بوتين أن يستعرض فحولته أمام الخرائط الآمنة، ومن حقه أن يستعرض جلده ناصع البياض فوق صهوة جواده الجامح بعد أن لوح بصواريخ يوم القيامة و”شياطينه” التي لا رادع ولا راد.
ومن حق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن يتباحث مع زعماء مجموعة السبع إن كان من حقهم أن يخلعوا السترات في مؤتمر ‘لم يعقد إلا لعرض الفحولة’.
ومن حقنا أن نتساءل عن مصير الحرافيش من زعماء العالم الثالث الذين لم يصدر لهم حتى اللحظة إشارة رفع النبابيت في حرب لا ناقة لهم فيها ولا رأس نووي.
من حقنا أن نتساءل عن مصائر الذين ستخلفهم الحرب بين الأنقاض وفوقها وأسفل منها من حقنا أن نتساءل عن مصير الجياع الذين تزداد أعدادهم كل نانو ثانية، وأن نتحدث عن مصائر اللاجئين والمهجرين، وعن مستقبل الفقراء والمعوزين، وعن شباب بلا عمل، وفتيات بلا أمل، وعن حياة لم نعد قادرين على الوفاء بمتطلباتها ولا مجاراة سرعتها الفوق صوتية.
نحتاج أن نتساءل عن مصائر أبنائنا في بلاد لم تنتم يوما لساكنيها، وعن حقوق الملايين من حرافيش العرب في مستقبل لا يحترم حقوق المستضعفين.
ومن حقنا أن نطالب بتشكيل نواة لناتو عربي لا ينتمي إلا لمصالح مواطنيه، ولا يميل حيث مال الشرق أو حيث أملى الغرب؛ ناتو يتخذ قراراته المصيرية بما يتوافق مع مصالحه الاستراتيجية وخياراته الوجودية.
نحتاج لناتو عربي يحمينا من نبابيت فتوات الشرق وبلطجية الغرب؛ ناتو عربي التكوين عربي الهوى، لا يملأ فراغ أحد ولا ينصاع لإملاءات أحد.
من حقنا أن نحلم بواقع مختلف بعد أن أذاقتنا سياسات التبعية ذلا بالليل وهوانا بالنهار عل مدار عقود لا حصر لها، وجعلتنا نأكل من قمامة الأمم الفكرية والثقافية والحضارية فلا نسمن ولا نشبع.
في وقت تتهافت فيه الحضارة الغربية، وينشغل قادة العالم بالشعر النابت في الصدور العارية، وبتقنين القتل والعري والمثلية وتعاطي المخدرات، من حقنا أن ننادي بمستقبل مختلف، يحترم العقل ويحرم سفك الدماء ويعيد للأسرة مكانتها وللأخلاق ريادتها، ويسقط عنتيل روسيا وغلمان الناتو الجاثمين فوق صدور الخرائط حتى تتنفس الأرض هواء أكثر نقاء وتعود الإنسانية لرشدها من قبل أن تتهافت الدول وتتفتت الكرة الأرضية تحت أقدام طغاة لا هم لهم إلا قصف المدن وتعرية صدورهم أمام الكاميرا.